What do you think?
Rate this book
254 pages, Paperback
First published January 1, 1963
إنه يصارع الناس منذ سنوات عديدة و يرفع صوته على منبر الكنيسة و في الشارع و في كل مكان يرى فيه بشرا. فما الذي وصل إليه؟ هل انتهى الشر أو حتى تناقص؟ هل ألقوا القنابل و توقفوا عن القتل؟ هل هناك رجل واحد أو امرأة واحدة أصبحت أحسن مما كانت عليه؟ لا أحد. فليرحل. ليرحل. ليحمل الرب و يرحل.عن لا جدوى الإصلاح و الوعظ و تعليم الناس بالحكمة و الموعظة الحسنة في زمن لم تفلح فيه حتى القنابل و السيوف.
- متى يتوقف هذا يا صديقي المسكين كرياكوس؟ متى؟دورات لا تنتهي من الصلب و القيامة و الصلب مرة أخرى و الشعوب لا تكف عن الأنين و الحكام لا يكفون عن الظلم و المستضعفون ما زالوا ينتظرون الرحمة من الرب أو رصاصة الرحمة من العدو حتى و لو كان أخيك من لحمك و دمك.
فأجاب المنادي مرتاعا:
لا أدري يا أبي.
- متى يتوقفون عن صلب المسيح.
فهز كرياكوس كتفيه قائلا:
- و متى يتوقف المسيح عن القيام من الموت؟
في بعض الأوقات يتملكني حنين أن أقع قتيلا لأنقذ ما تبقى لي من إنسانية و أنجو من الوحش الذي يلبسني. لكنك أنت. أنت تجعلينني أتمسك بالحياة. و هكذا أصبر. و أقول لنفسي: لابد أن تتوقف المذبحة في يوم ما فأستطيع أن أنسلخ من جلد الغوريلا: ملابس الفرقة و الحذاء الثقيل و البندقية. ثم نعود يا ماريو العزيزة إلى سونيون. يدك في يدي. نردد أشعار الإلياذة الخالدة.و الجندي البسيط الذي لا يعلم ما الذي زج به في حرب لا يفهم معناها و لا يكاد يدرك الهدف من إطلاقه النار على رؤوس و قلوب عدوه الذي كان بالأمس يؤاكله و يشاربه يندمج في اللعبة دون أن يدرك ذلك أيضا.
و لكن شيئا فشيئا اندمجت في اللعبة. ما هذا الوحش الخطير الكريه الذي يسمونه إنسانا؟ في أول الأمر حاولت رغم أنفي أن أسلك كما لو كنت متوحشا. فكانت النتيجة أن أصبحت متوحشا. و بدأت أقتحم الأبواب و أجذب النسوة من شعورهن و أدوس على الأطفال الصغار.يتوقف الأب في الطريق ليسأل عن الخلاص فلا يجد إلا طريقا واحدا لا مفر من اجتيازه.
هناك ثلاثة طرق يمكن أن تؤدي إلى الخلاص. طريق الرب و طريق السلطات و طريق الشعب. أما طريق الرب فمغلق. فالرب فيما يبدو لا يدخل نفسه في شئوننا. لأنه أعطانا عقلا و أعطانا الحرية و نفض يديه مما نفعل بعد ذلك. هل يعاقبنا الله لأنه لا يحبنا أم لأنه يحبنا؟ لا أعرف. لست سوى إنسان آثم لا أستطيع الدخول في أسرار الله. لكن شيئا واحدا أنا متأكد منه. هو أن هذا الطريق مغلق. طريق مسدود.في تلك الأوقات العصيبة يفقد الإنسان البوصلة و تنفذ قدرته على التحمل و لا يرى في أي شيء إلا محض هراء.
هم جميعا يروجون نفس البضاعة و لكن بأسماء مختلفة. فهم من كبار مخترعي القصص. لكن لا بأس فالبشر دائما أطفال. يعبدون القصص و يؤمنون بها. و قدرة الروح تتمثل في هذا الإيمان الذي يستطيع أن يجعل القصة حقيقية. لقرن من الزمان أو قرنين أو أربعة. ثم بعد ذلك تزول الغشاوة عن الأبصار و يدركون أنها لم تكن سوى قصة. فيطلقون صيحات الاستنكار و يتخلصون منها. و إذ ذاك تظهر قصة جديدة يرويها قصاصون جدد. و يكسب العالم طفرة جديدة.و كما يبدأ كازانتزاكيس بالفلسفة فهو يعود إليها في النهاية ليسأل عن جدوى المبادئ و القيم في تلك الغابة التي نعيش فيها.
هل الغاية تبرر الوسائل؟ هل نقبل الظلم إذا كان يؤدي إلى الحرية؟ هذا شيء يحطم القلب. لكن صدقني إننا بهذه الأساليب نخرب الأيديولوجية. لقد بدأت أفهم الأمر منذ فترة. فالوسائل التي نستخدمها تلوث الغاية التي تقترحها. ذلك لأن الغاية ليست ثمرة ناضجة تتدلى معلقة في نهاية الطريق تنتظر حضورنا لنقطفها. لا و ألف مرة لا. الغاية ثمرة تنضج مع كل فعل من أفعالنا. و تكتسب طعمها من كل فعل من هذه الأفعال. و الطريق الذي نختاره يعطي هذه الثمرة جمالها و شكلها و مذاقها. و يملأها بالعسل أو بالسم. معنى ذلك أنه إذا استمر سيرنا في الاتجاه الذي سرنا فيه فقل علينا السلام.و بين قوم يعدون الفقراء باليمن و الخيرات في حياة أخرى بعد الموت فيهدرون حياتهم الأولى و يحبطون أي محاولة لهم في الرخاء. و قوم يذلون الناس و يستعبدونهم و ينكرون الحياة الأخرى و يدعون أن هذا هو السبيل لأن نعيش حياة السعادة هنا و الأن على ظهر هذه الأرض و قبل الموت. يتعلق أبطال الرواية و أهل القرية و لا يجدون السبيل مهما حاولوا.
أنت تخاف الأن في هذا الوقت العصيب؟ هيا تشجع. أحرى بك أن تساعدني على إنقاذهم. أنت تنسى أنك لست فقط المصلوب. لكنك أيضا القائم من الموت. و العالم لم يعد يحتاج إلى الرب المصلوب بل يحتاج إلى رب الجيوش. حسبك آلاما و دموعا و صلبا. فانهض و أنزل إلى الدنيا كتائب الملائكة تحمل إلينا العدل. كفى ما أصابنا من تحقير و ضرب بالسياط. و وضع أكاليل الشوك فوق الرؤوس و قتل على الصليب. جاءت الساعة لنقوم من الموت. نحن نريد الدينونة الأخيرة فورا. ها هنا على الأرض. فانهض.